مراحل العمل التأريخي
من صفات المؤرخ حسب زريق[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أنه يفتش عن الآثار ( الوثائق ) ويجمعها ويحفظها من الضياع ، ثم " تتلو عملية التفتيش والجمع هذه أو تصاحبُها عملية النقد ، فالمؤرخ لا يأخذ الوثائق على علاّتها بل يعمد بأساليب من النقد والتمحيص إلى فحص كل منها لتَبيُّن قيمته ومدى إمكان الركون إليه في استخراج أخبار الماضي " .
فالمؤرخ الحقيقي يطَّلع على جميع الروايات المتوافرة لديه " وما يزال يقابل ويقارن ويقارب ويوازن – مقدِّماً في ذلك كله الشك على التصديق والاتهام على التبرئة – إلى أن يُكوِّن قناعة ما عن الحادث وكيفية وقوعه " .
فلا يتوانى عن " جمع ورصف وتركيب " الحقائق المُفرَدة التي يتوصل إليها " ليتكوّن منها البناء كاملاً أو أقرب ما يمكن إلى الكمال " .
ومن الأكيد أن كثيراً من الحوادث لا يوجد عليها أخبار وروايات كافية " فتظهر ثُلَم وثغر يجد المؤرخ ضرورة لسدها وملء فراغها وسبيله إلى هذا الملء الاجتهادُ والقياس " ، وتأتي بعد كل هذا المجهود الفكري والعملي " المرحلة الأخيرة من العمل التأريخي فهي مرحلة أدبية فنية يَلجها المؤرخ عندما يَعمد إلى عرض ما توصل إليه ونشره بين الناس ، وهنا تتجلى مَلَكةُ المؤرخ في حُسن الأداء وروعة التعبير " .
وما الغاية من كل هذا التعب ؟ " إنَّ غاية هذه المراحل ، مراحل النقد والتحقيق والاستنتاج هي استخراج حقيقة الماضي بجزئياتها وكُليتها ، وهي مراحل علمية في جوهرها " .
وعليه أن يَحذر من طغيان النزعة الأدبية والدرامية على المنهجية والعلمية " كما حصل عند فريق كبير من المؤرخين من مختلف الأجناس والثقافات ، فإنّ صفة التأريخ الأدبية يجب ألاّ تتجاوز صفته العلمية وألا تسلبها مقامها الأول ومرتبتها الأساسية ، والمؤرخ المتميز هو الذي يعرف كيف يكسو العلم الدقيق بالأسلوب الرفيع " .
ولكنْ وسط التخلف البشري في العالم الثالث وشيوع التفكير المادي المصلحي وتفشي الأهواء والانحرافات النفسية يجعل هذا التوفيق " لا يتأتّى إلا لنفر قليل من الموهوبين الجاهدين أولئك الذين خَلّدوا أسماءهم في سجلّ الكتابة التأريخية وبلغوا بها إلى أعلى قممها . والذين يعود الناس إلى مؤلفاتهم عصراً بعد عصر فيكتسبون منها ذوقاً وأدباً وغنى نفسياً مثل ما يكتسبون منها علماً ومعرفة وحكمة " . اهـ .
( محمد عبد الدايم 24 – 6 – 2010 م )
[/b]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في كتابه ( نحن والتاريخ ) دار العلم للملايين – بيروت – ط1 في 1959 م – ط3 في 1947 م .