الإسراف صوره وأضراره
الأستاذ حسام حسن كيوان
قال الله تعالى في سورة الإسراء/26، 27 :
وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا , إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوٰنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ
وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِرَبّهِ كَفُورًا
قَالَ النَّبِيّ َ: قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ، وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ
وقال : إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الأَغْنِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًاً
ولذلك فمن أوتي مالاً، فقد حمل مسئولية عظيمة قل من ينجو منها،
إن مظاهر الإسراف والتبذير والترف والبذخ مع عدم الشكر وكفران النعمة مُنْذِرَةٌ بالخطر، ليس على الواقعين فيها فقط، بل العقاب ينزل على الجميع، وهو سبب هلاك الأمم , كما قال تعالى:
وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء: 16].
تعريف الإسراف:
تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان أو قول .
وكما يكون الإسراف في الشر يكون في الخير، كمن تصدق بجميع ماله
وليس الإسراف متعلقا بالمال وحده :
بل في كل شيء وضع في غير موضعه اللأئق به ،
فالله تعالى وصف قوم لوط بالإسراف لوضعهم البَذْرَ في غير المَحْرَثِ فقال : أَئِنَّكُمْ لَتَأتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النَّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ الأعراف / 18
والإسراف صفة من صفات الكافرين؛ يقول تعالى: وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ سورة طـه/ 127
وهو صفة من صفات الجبارين الذين يملكون بأيديهم السلطة والمال، يقول تعالى: وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ سورة يونس/83
وقال تعالى: إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِنْ المُسْرِفِينَ الدخان / 31
الفرق بين الإسراف و التبذير :
التبذير أخص من الإسراف، لأن التبذير يستعمل في إنفاق المال في غير حقِّه فقط ، أما الإسراف فهو مجاوزة الحد في أي شيء ، كالإفراط في الكلام ... الخ
قال قتادة : التبذير هو النفقة في معصية الله
سُئِلَ ابن مسعود عن المبذرين فقال رضي الله عنه : الذين ينفقون في غير حقّ
وقال مجاهد : لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذراً , ولو أنفق مدَّاً في غير حق كان مبذراً
المبذر للأموال:
- متشبه بأفعال الشياطين , متَّبع للهوى بعيد عن الحق . فقد نهى الله عن التبذير فقال :﴿وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً﴾
- إنه طريق إلى الغفلة والترف وهما من أسباب سوء المصير ,
قال الله تعالى: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا الكهف: 28
وقال سبحانه : إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ يونس 7-8
فالمسرف غافل عن أوامر ربه ونواهيه , غارق في شهواته وملذاته , آمنٌ من تقلبات الدهر ومداولة الأيام ,
- وهو من الأسباب التي توجب دخول النار: قال تعالى: وَأَصْحَـٰبُ ٱلشّمَالِ مَا أَصْحَـٰبُ ٱلشّمَالِ ,فِى سَمُومٍ وَحَمِيمٍ ,وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ ,لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ ,إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ [المعارج:41-45]
صور الإسراف :
وهو يشمل أمورًا عدة في حياة البشر من: مأكل ومشرب ونوم ويقظة وكلام ومحبة وكراهية وضحك وانفعال وتعامل مع الإنسان والحيوان والطير والنبات والجماد، وكذلك العبادات من وضوء وطهارة وصلاة وصدقة وصيام وغيرها.
1-صرف الأموال في المحرمات ( السجائر، المخدرات، الخمور، الأغاني ).
الإسراف إضاعة للمال وتخوض فيه بغير حق قال : إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة البخاري
وكما قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ غافر: 43.
فالإسراف في النفقة والإنفاق هو التبذيرُ المنهيُّ عنه ومجاوزة الحد حتى في الصدقة،
قال تعالى: وَءاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا ,إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوٰنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِرَبّهِ كَفُورًا الإسراء: 26، 27
وقال عز وجل: وَءاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ الأنعام: 141
وقال النبي لمن أراد الصدقة عمومًا أو الوقف لينتفع به في الدار الآخرة: الثلث، والثلث كثير، لأَن تذَر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يَتَكَفَّفُونَ الناس
2-المبالغة في الطعام و الشراب .
الأكل يجب أن يكون لأجل قوة العبادة فيكون دون الشبع ، لأن العبادة تحتاج إلى خفة ، واللقمة تذهب الفطنة , فالشبع يمنع من العبادة ولا يقوي عليها ،
ولقد بيَّن النبي تقدير الغذاء بياناً يغني عن كلام الأطباء حيث قال : مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ الترمذي/أحمد
فالسيدة عائشة تقول : أول بدعة ابتدعها المسلمون بعد وفاة رسول الله الشبع ، وأول مخالفة للسنة بعد وفاته كانت الشبع ، فمن أكل حتى الشبع فقد نقض نيته التي بدأها في أول الطعام وهي التقوي على طاعة الله
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : إِنَّ مِنَ السَّرَفِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ ابن ماجة
وقال عمر لابنه عاصم رضي الله عنهما : كل في نصف بطنك ولا تطرح ثوباً حتى تستخلفه, ولا تكن من قوم يجعلون ما رزقهم الله في بطونهم وعلى ظهورهم
لا تمد يدك إلى الطعام إلا وأنت جائع ، قال : نعم الإدام الجوع
وفي ألمانيا مستشفى مكتوب عليها هذا الحديث نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع محمد بن عبد الله .
ينبغي أن أكون معتدلاً في طعامي ، فالطب مجموع في ثلاث كلمات لا غنى للمرء عن أحدها، ولو خالفها لاعْتَلَّتْ صِحَّتُهُ وقُوَاهُ وربما أَوْدَتْ بحياته، جاء ذلك في الآية التالية:
وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ [الأعراف: 31]
لو أن الله قال : لا تسرفوا في الأكل والشرب لانصرف الإسراف إلى الطعام والشراب فقط ، أما حينما قال الله عز وجل وكلوا واشربوا ولا تسرفوا جاءت متأخرة عنها ، إذاً هي مطلقة في كل شيء ، حتى في المتع المباحة ، الإسراف بها له مضاعفات لا ترضي صاحبها ،
وقال الرسول : نحن قوم لا نأكلُ حتى نَجُوعَ، وإذا أكلنا لا نَشْبَعُ أي: لا يُدْخِلُونَ الطعامَ على الطعامِ مع الشبع لما فيه من إفساد الثاني لما قبله، وإذا أكلوا لا يملؤون بطونهم حتى يُتْخِمُوها بالطعام ويصلوا إلى الشّبَعِ الْمُفْرِطِ.
قال بعض الأطباء: لواستعمل الناس هذا الحديث لسلموا من الأمراض والأسقام ولتعطلت دكاكين الصيادلة، وإنما قيل هذا لأن أصل كل داء التخم. وكما أن الشبع يضر البدن، فكذلك هو يقسي القلب ويورث الهوى والغضب.
والحقيقة أن الاعتدال وراء كل توازن ، والمبالغة في الشيء وراء كل تطرف ، ينبغي ألاّ يسرف ،
إن الإنسان حينما يجعل همه التنعم بالحياة يكون قد خالف منهج الله عز وجل ، فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا بَعَثَ بِهِ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ : إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ ، فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ رواه أحمد والمنذري والبيهقي
قد ينعم الله عليك ، وقد يدخل على قلبك السرور ، وقد يمتعك بالحياة الدنيا ، أما حينما تجعلها أنت مبدأك ، وتسعى لها وحدها فهذا هو الخطأ .
عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ : إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى ثُمَّ لِيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ
3-الإسراف الذي نراه في المناسبات ( قصور الأفراح الغالية ، البهارج في المناسبات ) .
إن إقامة ولائم الزواج والمناسبات العامة لا تخلو في معظم حالاتها اليوم من الإسراف المتناهي، حيث :
- إن بعض الأولياء يشترط إقامة حفل الزواج في أغلى الفنادق أو في أفخم قصور الأفراح أو أغلى صالات الاحتفالات أو أجمل القاعات، والغالب هو قصدُ المباهاة والمفاخرة، والتقليد الأعمى للآخرين، وحُب الظهور على حساب الزوج الذي يلجأ في معظم الحالات إلى استدانة الأموال أو الاقتراض من غيره حتى يلبي تلك الرغبة، وفي ذلك إهدار للأموال وتضييع وصرف لها في غير محلها، وقد نَهى النبي في أحاديث كثيرة عن إضاعة المال.
- إعداد بطاقات الدعوة وطباعتها بأشكال جذابة وألوان مختلفة وإطار مزخرف، واختيار أغلى البطاقات ثمنًا وأعلاها كلفة، وكتابتها بصيغتين مختلفتين: واحدة للرجال وأخرى للنساء، وهذه مبالغة غير محمودة، وتبذير وتحمل لمبالغ طائلة، والمقصود من إرسال البطاقة إلى المدعوين إنما هو إعلامهم بموعد ومكان إقامة الوليمة، وذلك يحصل بأقل من هذه التكلفة.
- إعداد وليمة الزواج بأحجامٍ يظهر فيها الإسراف والبذخ والتبذير، بتقديم الأطعمة من اللحوم وأنواع المأكولات والمشروبات والحلوى اللحوم والأرز والفواكه وغير ذلك بكميات كبيرة .
وهذا يجعلنا ندفع ثمناً باهظاً وهو غضب الرب سبحانه وتعالى الذي نهانا عن الإسراف والتبذير فخالفنا الهدي الإلهي والتوجيه الرباني: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]
ولم نتقيد بالإرشاد النبوي الوارد في قول المصطفى : كلوا واشربوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة رواه البخاري تعليقاً وأحمد والنسائي / حسن.
فالزواج أصبح يتطلب كلفة كبيرة، ومراسيم العزاء عند الوفاة تحتاج مبالغ طائلة، وتقديم الهدايا عند الولادة من قبل المرأة لصديقاتها يستلزم ميزانية باهضة...
إن الإسلام لم يشرع في نفقات العقد والزفاف، سوى المهر للمرأة والوليمة لحفلة العرس، وإكرام الضيف بما يناسب الحال.أما ما عداها من الهدايا والنفقات فهي ليست فرضاً واجباً وليست من شروط العقد والنكاح في شيء أبداً.
في بعض عقود القران هناك ورود بمليون ليرة .
مرة قال شاب : أنا يا أستاذ مضطر لأتزوج ، فالابن معه بناء ،المواد الأولية ثمنها خمسة وخمسون ألفا ،بنى غرفة ومنافعها وتزوج فيها ،قدّرت ثمانمئة ألف ، فمئة ألف تؤسس أسرة ،
وهناك عرس في الشيراتون بأربعين مليونا ، هذا المبلغ كم يوزج من الشباب؟ الآن هناك في البلد أشياء طيبة ،
وهناك عقود قران ما قدّمت هدية أبدا ، قام عريف الحفل وقال : الهدية مبلغ أودع عند العالم الفلاني لتزويج الشباب ، حوالي مليون ليرة ، إذا أخذ كل شاب مئة ألف فقد زوّجنا بهذا العقد عشرة شباب .
حضرت عقدا ثانيا قدّموا مع بطاقة الدعوة وصلا لمعهد شرعي بألف ليرة ، والمدعوون مئتان وعشرون إنسانا ، قدموا لهذا المعهد الشرعي مئتين وعشرين ألفا ، أنت تأخذ هدية ، وغيرك كذلك ، ولكن لا يستفاد منها ، حاجات متنوعة لا محل لها أساسا ، فأنا أرى أن عقود القران مناسبة كبيرة جدا ، نتعاون ، ألم تزوج ابنك ؟ اشكر ربك على تزويج ابنك ، قدّم شيئا .
فآن الأوان للمسليمن أن يفكِّروا ، المسلمون في العلم يذبّحون ويشردون ، يموتون من الجوع والبرد ، لا بد أن نتعاطف ، وأقلّ شيء فيما بيننا ، والله عزوجل لم يكلّفنا إلا ضمن مجتمعنا المحدود ، نتعاطف فيما بيننا ، كل واشرب من غير إسراف ولا مخيلة ، معك فائض هناك من تنعشه ، وتنقذه ، وتسعده بهذا الفائض ، وما عُبد الله عزوجل بأفضل من جبر الخواطر ، كيف تطهّر الزكاة الإنسان ؟ تطهر نفس الفقير من الحقد ، تطهر نفس الفقير من الشح ، تطهر المال من تعلق حق الغير به ، قال تعالى :
(التوبة : من الآية 103)
كيف تزكيك ؟عندما تطعم الفقير
لما يفكر الإنسان أن يعيش مشكلات الآخرين يشعر بنماء في نفسه ، يا رب أنا ساهمت ، أنقذت مئتين وخمسين أسرة من الجوع ، مثلا ، هذا بالنسبة لنمو نفس الغني ، أما الفقير فيكون محطَّما ، عنده يأس وإحباط ، مهمل ، رقم في المجتمع ، لا أحد ينتبه له ، ليس عنده سمن ولا زيت ولا طعام ، ولا شيء ، تأتيه المعونة فينتعش ، يشعر أن ثمة من يفكر فيه ، فالغني نمت نفسه ، والفقير نمت نفسه ، وما نقص مال من صدقة ، والمال الذي دُفِع من أجل الصدقة واللهِ يأتي أضعافا مضاعفة .
إن أشر مواضع الإسراف أن تقام الولائم العظيمة ويدعى إليها الأغنياء، ويحرم منها الفقراء,
لا ينبغي للداعي أن يخصّ بالدعوة عِليةَ القومِ وأثرياءهم ووجهاءهم ويؤكد على الأغنياء والأعيان ويهمل الفقراء والمساكين، بل يدعو أهل الصلاح والتقوى وإخوانه المسلمين أيًّا كان مستواهم الاجتماعي وحالهم المادي،
قال : شرّ الطعام طعام الوليمة؛ يُدعَى لها الأغنياء، ويُترك الفقراء، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله متفق عليه،
قال رسول الله : إذا دُعي أحدكم إلى طعامٍ فليجب، فإن شاء طعِم وإن شاء ترك مسلم.
ومراده بقوله: شر الطعام طعام الوليمة أي: طعام الوليمة التي يُدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء، ولم يرد أن كل وليمة طعامها شرّ الطعام، فإنه لو أراد ذلك لما أمر بها، ولا حثّ على الإجابة إليها، ولا فعلها، ولأن الإجابة تجب بالدعوة، فكل من دُعي فقد وجبت عليه الإجابة.
4-جنون الموضة:
إن تغيرات الأزياء والنماذج المتعددة إن هي إلا تقلبات مفتعلة لحمل المستهلكين على الشراء، (الموضة لعبة تجارية دفعتنا لتبذير أموالنا في غير وجهها )
نهى عن الاسراف والتبذير في شراء الملابس فقال: كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا،مالم يخالطه إسراف او مخيلة رواه أحمد والبخاري.
5-الإسراف في استخدام الماء:
في تنظيف الأفنية و السيارات ، و حتى في الوضوء والاغتسال ولو كان أحدنا على شاطئ نَهْرٍ جَارٍ!
لما جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله كيف الوضوء ؟ فأراه الوضوء ثلاثا ثلاثا ، ثم قال : هكذا الوضوء ، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم .
فعَن عبد الله بن عمرو أن رسول الله مَرَّ بِسَعْدٍ وهو يتوضأ فقال: ما هذا الإسراف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟! قال: نعم ، وإن كنتَ على نهرٍ جارٍ رواه ابن ماجه وأحمد والبيهقي.
وقد كان رسول الله يغتسل بالصاع ، ويتطهر بالمُدّ متفق عليه .
والمُـدّ قدر ملء الكفين للرجل المعتدل . والصاع: أربعة أمداد ، وهذا يدل على الاقتصار على اليسير من الماء في الوضوء .
قال الإمام النووي : وأجمع العلماء على النهي عن الإسراف في الماء ولو كان على شاطئ البحر .
الماء نعمة كبرى فالإسراف في استخدامها واستعمالها حرام، والتلويث للماء جريمة , قال : سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته، من علَّم علماً أو كرى نهراً أو حفر بئراً أو غرس شجرة أو بنى مسجداً أو ورَّث مصحفاً أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته رواه صاحب الترغيب والترهيب
وقال : لا يبولن أحدكم في الماء الراكد رواه مسلم
وقال : إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء رواه البخاري
وعندما يرى المسلم إخوانه المسلمين في أماكن الوضوء في المساجد يشاهد من الأمر عَجَبًا في إهدار الماء وفتحه من مصادره ومحابسه إلى أعلى الدرجات ،
أما الْمُتْرَفُونَ الذين تَحْوِي قصورُهم ومساكنُهم المسابحَ التي تتسع لعشرات الأطنان بل المئات فَحَدِّثْ عنهم ولا حرج، حيث التغيير والتبديل الأسبوعي للماء إن لم يكن اليومي لدى كثير منهم وإهدار الماء الصالح للشرب؛
6-الإسراف في استعمال الهاتف :
إذا اتصل بنا أحد:- فلا ينبغي أن نطيل معه الكلام إلا إذا رغب في ذلك، وليكن كلامنا معه مختصرًا موجزًا هادفًا نظيفًا لطيفًا، اقتداء بالرسول الذي كان كلامه قَصْدًا وخاليًا من الفُحْش والإيذاء،
- كما ينبغي أن لا نُكثر الكلام معه فيضيع رصيده من المكالمات، فنؤذي مشاعره فنأثم، ونتسبب في ضياع ماله بغير رضاه، وإضاعة مال الغير محرَّم ، وهذا ما لا يرضاه الإسلام في التعامل مع الناس، وإذا كان الله قد كَرِه القيل والقال في الكلام العادي الذي لا يضيع معه مال، فكيف بالكلام الكثير الفارغ التافه الذي يزداد معه المال ضياعًا؟!
قال النبي : كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه رواه مسلم.
قال الرسول : إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا ، فذكر ما يرضاه الله وقال : ويكره قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال رواه البخاري ومسلم ، والكراهة هنا تحريمية.
على المؤمن أن يكون حازمًا في استعماله للهاتف، ولا يستعمله إلا في الحالات المهمة، حتى يحفظ ماله، ويضعه في موضعه، ولا يبذِّره تبذيرًا؛ لأن التبذير حرام، والمبذِّر أخو الشيطان، والمؤمن مسؤول عن ماله يوم لقاء الله، وإن كثيرًا من مستعملي الهاتف اليوم من السفهاء والمبذّرين والطائشين يركِّبون الأرقام بغير معرفة لأهلها، فيتصلون بهذا، ويتكلمون مع هذه، كل ذلك من أجل التشويش والإحراج والفتنة والبحث عن عشيقة بواسطة الهاتف، فيُشغلون الخطوط، ويضيِّعون أموالهم وأوقات غيرهم، ويؤذونهم بغير حق.
الاعتدال "الوسطية" في الانفاق:
التوسط والاعتدال هو سمة هذه الأمة:
قال تعالى : وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا البقرة: 143
وقال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ آل عمران: 110
من قواعد الانفاق في الإسلام "الوسطية" دون إسراف أو تقتير - لان في الاسراف مفسدة للمال والنفس والمجتمع , وفي التقتير حبس وتجميد للمال , وكلاهما يسبب خللا في النظام الاقتصادي وأصل هذه القاعدة من القرآن هو قول الله تبارك وتعالى في وصف عباده المؤمنين: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما الفرقان: 67
وقال الله تعالى آمراً بالتوسط في جميع الأمور: وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (الإسراء: 29) .
الإسلام لا يدعو إلى ارتداء الخِرَق البالية ، ولا إلى تجويع النفس ، ولكنه العدل والوسط، يأخذ فيه المرء ما يجد ولا يتكلف ما فقد. هذا هو نهج عباد الرحمن: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67]،
يأكلون ليعيشوا، ويعيشون ليعطوا الحياة قدرها ويحفظوا لها وظيفتها، عبادة لله وإحسانًا إلى عباده،. يأخذون من الطيبات، ويستمتعون بالزينة، ويقفون عند حدود الله ولا يتجاوزونها : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32].
ولتهذيب الإنسان وتربيته أمر الله تعالى بالقصد في الأمور كلها حتى في أمور العبادات؛ كيلا يملها العبد؛ قال : وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا البخاري.
عليكم بالقصد والتوسُّط في جميع الأمور: فهذه الأمة الإسلامية هي الأمة الوسط , والحسنة بين سيئتين , فمن زاد في أكل أو شرب أو نوم أو ملبس أو مركب أو مسكن أو شراء ما يعنُّ بخاطره ففيه من الإسراف والتبذير بحسبه .
هذا ولا يمانع الإسلام من أن يظهر المسلم أثر نعمة الله عليه، لكن دون سرف ففي الحديث يقول : كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا سرف فان الله يحب ان يرى اثر نعمته على عبده رواه البخاري،
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كل ما شئت والبس ما شئت، ما أخطأك خصلتان سرف ومخيلة
الأولوية في الإنفاق :
للإنفاق في الإسلام أولويات فيبدأ الإنسان بنفسه ثم بأهله ثم الأقرب فالأقرب ( الأقربون أولى بالمعروف ) .
صرف الإنسان يجب أن يتناسب مع دخله :
و ذكر أن عمر بن الخطاب رأى رجلا يلبس ثوبا فسأله : بكم ابتعته ؟ فقال: بستين درهم ! قال: و كم رأس مالك ؟ قال الرجل: ألف درهم ! فخفقه عمر رضي الله عنه بالدرة قائلا رأس مالك ألف درهم و تشتري ثوبا بستين !
و كان يرى عبد الرحمن بن عوف يلبس الثوب بأربع مئة درهم و لا يلام .. لأنه كان غنيا .
فالمبذر يشتري كل شيء , حتى ربما استدان مبلغاً من المال واشترى من الكماليات ما لا يُحتاج إليه إلا مرة واحدة كل خمس سنوات , ولربما حمَّل نفسه مشقَّة الديون في أمور لا قيمة لها , والحياة تستقيم بدونها , ولربما سأل الناس واستجداهم بسبب التوسع في أمور لا تصلح إلا للأغنياء القادرين والله تعالى يقول : لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (الطلاق: 7) .
المسلم يدبر معيشته الدنيوية بعقل ولا يجاري غيره ويباهي بالأثاث واللباس والمركب والمسكن وغير ذلك ,
فإن كان فقيراً فالواجب عليه أن يجتهد في الكسب ويدأب في العمل ليكفَّ نفسه عن الذُّلِّ للخلق مستصحباً القناعة بما كتبه الله له مبتعداً عن مسابقة الأغنياء والقادرين ,
وأما إن كان غنياً فعليه أن ينفق باعتدال ولْيتذكر بأن كثرة الأموال عنده لا تبيح له الإسراف والتبذير, وعليه أن يوقن بأنه مسؤول عن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه ,
قال وهب بن منبه : من السَّرْفِ أن يلبس الإنسان ويأكل ويشرب مما ليس عنده , وما جاوز الكفاف فهو التبذير
الاستهلاك و عادات الإسراف
لقد تحول الإسراف والتبذير والمبالغة في الاستهلاك إلى عادات وأعراف حاكمة في مجتمعاتنا.
فأطفالنا يتربون من صغرهم على حب الاستهلاك، فتعطى لهم النقود دون حاجة، ويتعلمون على الاستمتاع بالشراء، لمجرد الشراء وإن كان لشيء لا يفيدهم، بل قد يكون ضاراً لهم. وترى في حالات كثيرة حينما يبكي الطفل ويريد أهله تهدئته يقال له خذ خمس ليراتً أو خمسة أو عشرة واذهب إلى البقالة!! في مقابل ذلك تشجّع بعض العوائل في المجتمعات المتقدمة أبناءها منذ صغرهم على فتح حسابات للادخار، وتعلّمهم كيف يفكرون فيما يشترون قبل أن يشتروا.
أضرار الإسراف :
1- الإسراف خطر على العقيدة:
الإسراف يرفع مستوى معيشة الفرد والأسرة رفعاً كاذباً يفوق الدخل الحقيقي المستمر، حتى يلجأ كثير من المسرفين إلى طرق شريفة وغير شريفة لاستمرار التدفق النقدي وتحقيق المستوى العالي من الإنفاق الذي اعتادوه فتمتد اليد بشكل أو بآخر فيقعوا تحت وطأة الكسب الحرام، ذلك أن المسرف قد تضيق به أو تنتهي به موارده، فيضطر تلبية وحفاظاً على حياة الترف والنعيم التي ألفها إلى الوقوع في الكسب الحرام، وقد جاء في الحديث: كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به
2 - الإسراف ودواعي الشر والإثم:
فالإسراف داع إلى أنواع كثيرة من الشر، لأنه يحرك الجوارح إلى المعاصي ويشغلها عن الطاعات، كما أنه يحرك الغرائز الساكنة أو الكامنة في هذه النفس، وحينئذ لا يؤمن على الفرد من الوقوع في الإثم والمعصية. فالشيطان أعظم ما يتحكم في الإنسان إذا ملأ بطنه من الطعام، ولهذا قال : ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه
لماذا ينهى عن السرف, ولماذا هذا التشديد في النهي عن السرف؟
لأجل الحفاظ على الأموال والموارد التي يُسأل عنها العبد يوم القيامة؛ فهو يُسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه؟ والسرف يعارض حفظ المال، بل يتلفه ويؤدي إلى إفقار نفسه ومن ثم إفقار أهل بيته وقرابته وأمته، والله تعالى كره لنا قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال.
إن حفظ المال فيه حفظ الدين والعرض والشرف, والأمم التي لا تمتلك المال لا يحترمها الآخرون، والشخص الذي ليس له قوة من مال أو جاه لا ينظر الناس إليه ولا يأبهون به، ومن أجل ذلك قال الحكماء: من حفظ ماله فقد حفظ الأكرميْن: الدين والعرض.
فكم من أسر افتقرت من بعد الغنى؟! وكم من دول بطرت شعوبها وأسرفت على نفسها فابتلاها الله بالحروب والفتن التي عصفت بها، فتمنى أفرادها بعض ما كانوا يملكون من قبل؟!
فالمعتمد بن عَبَّاد -رحمه الله- كان من ملوك الأندلس، ويملك الأموال الطائلة، والقصور العظيمة، ولما اشتهت زوجته وبعض بناته أن يتخوَّضن في الطين أمر بالعنبر والعود فوضع في ساحة قصره، ورُشَّ عليه ماء الورد وأنواع من الطيب ، وعُجِن حتى صار مثل الطين؛ فتخوَّضت فيه أسرته المترفة, وما ماتت تلك الأسرة المترفة حتى ذاقت طعم الفقر وألم الجوع ؛ إذ استولى "يوسف بن تاشفين" على مملكة ابن عباد، وكان النسوة اللائي تخوَّضن في العود والعنبر لا يجدن ما يأكلن إلا من غزل الصوف بأيديهن الذي لا يسد إلا بعض جوعهن.
وهذا أبو عبد الله الزغل من آخر ملوك غرناطة الأندلسية باع أملاكه فيها بعد أن استولى عليها النصارى، وحمل مالاً عظيماً قُدِّر بخمسة ملايين من العملة المعروفة آنذاك, ورحل إلى إفريقيا, فقُبِض عليه وصودرت أمواله، وسُملت عينيه, ورمي في السجن بسبب بيعه غرناطة للنصارى وتخليه عنها، ولما خرج من السجن لم يجد من يطعمه ويؤويه، فأخذ يستعطي الناس في الأسواق، ويطوف وعلى ثيابه رق غزال مكتوب عليه: "هذا سلطان الأندلس العاثر المجد" لعل من يراه يرحمه ويعطيه بعض المال.
لقد أبان لنا التاريخ عاقبة المسرفين كانت ذلاً وخسراً؛ فواجب علينا أن لا نطغى إذا أُعطينا؛ بل نشكر المنعم سبحانه بتسخير نعمه لطاعته والاقتصاد في الإنفاق؛ فذلك خير لنا في الدنيا والآخرة، وهو سبب حفظ المال.
فضل الجوع وخشونة العيش
عود نفسك أن تعيش حياة بسيطة ،
عود نفسك يوما بالفواكه ويوما من دونها ، يوما بطبخ جيد ، ويوما بطبخ عادي جدا ،
عود نفسك أن تأكل أكلا عاديا في الظهر ، أكلا خفيفا أنت وأولادك ، تشعر أنك عبد لله عزوجل ،
وقد سئل النبي الكريم : أتحب أن تكون نبيا ملكا أم نبيا عبدا ؟ قال : بل نبيا عبدا ، أجوع يوما فأذكره ، وأشبع يوما فأشكره
فالنبي قال : اخشوشنوا و تمعددوا ، فإن النعم لا تدوم ، وطّن نفسك على الحد الأدنى الإنفاق ،
شخص من المملكة العربية السعودية يعد أكبر تاجر خضر في المملكة ، عنده خمسون برّادا تُحمل من تركيا إلى السعودية ، هو رجل صالح من المدينة ، ومستقيم ، واللهِ دهشت لمحاسبته لأولاده ، يحاسب على الفِلس ، ليس عنده نفقة في غير موضعها أبدا ، ويعطي للفقراء عطاء بغير حساب ، رأيت من إنفاقه الشيء العجيب ، أما على نفسه فليس هناك بذخ ولا ترف ، أولاده وزوجته يحاسبهم على الفلس ، وكل نفقة غير معقولة مرفوضة عنده ، مقابلها يعيل آلاف الأُسر ، بنى معهدا إسلاميا في كوناكري ، أسس مسجدا ومعهدا كبيرا في غينيا على نفقته الخاصة ، أما لو فتح المجال لأولاده لذهبت كل ثروته بلا طائل ،
فدائما انتبهوا أن الوسطية من صفات عباد الرحمن ، قال تعالى :
والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما الفرقان: 67
الآيات التي ورد فيها كلمتي الإسراف والتبذير في القرآن
الإسراف ورد في القرآن الكريم في هذه الصيغة في آيتين هما:
وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ , آل عمران
وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً النساء.
ووردت بصيغة مسرف,ومسرفين في 17 آية:
ِمنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ المائدة
وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ الأنعام
يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ الأعراف
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ الأعراف
كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ يونس
وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ يونس
صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاء وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ الأنبياء
وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الشعراء
قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ يس
إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ غافر
كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ غافر
وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ غافر
أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ الزخرف
مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ الْمُسْرِفِينَ الدخان
مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ الذاريات
فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً الإسراء
وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً الفرقان
والتبذير جاء في القرآن في موضعين هما:
وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً الإسراء
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً الإسراء
الأستاذ حسام حسن كيوان
قال الله تعالى في سورة الإسراء/26، 27 :
وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا , إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوٰنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ
وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِرَبّهِ كَفُورًا
قَالَ النَّبِيّ َ: قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ، وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ
وقال : إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الأَغْنِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًاً
ولذلك فمن أوتي مالاً، فقد حمل مسئولية عظيمة قل من ينجو منها،
إن مظاهر الإسراف والتبذير والترف والبذخ مع عدم الشكر وكفران النعمة مُنْذِرَةٌ بالخطر، ليس على الواقعين فيها فقط، بل العقاب ينزل على الجميع، وهو سبب هلاك الأمم , كما قال تعالى:
وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء: 16].
تعريف الإسراف:
تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان أو قول .
وكما يكون الإسراف في الشر يكون في الخير، كمن تصدق بجميع ماله
وليس الإسراف متعلقا بالمال وحده :
بل في كل شيء وضع في غير موضعه اللأئق به ،
فالله تعالى وصف قوم لوط بالإسراف لوضعهم البَذْرَ في غير المَحْرَثِ فقال : أَئِنَّكُمْ لَتَأتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النَّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ الأعراف / 18
والإسراف صفة من صفات الكافرين؛ يقول تعالى: وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ سورة طـه/ 127
وهو صفة من صفات الجبارين الذين يملكون بأيديهم السلطة والمال، يقول تعالى: وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ سورة يونس/83
وقال تعالى: إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِنْ المُسْرِفِينَ الدخان / 31
الفرق بين الإسراف و التبذير :
التبذير أخص من الإسراف، لأن التبذير يستعمل في إنفاق المال في غير حقِّه فقط ، أما الإسراف فهو مجاوزة الحد في أي شيء ، كالإفراط في الكلام ... الخ
قال قتادة : التبذير هو النفقة في معصية الله
سُئِلَ ابن مسعود عن المبذرين فقال رضي الله عنه : الذين ينفقون في غير حقّ
وقال مجاهد : لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذراً , ولو أنفق مدَّاً في غير حق كان مبذراً
المبذر للأموال:
- متشبه بأفعال الشياطين , متَّبع للهوى بعيد عن الحق . فقد نهى الله عن التبذير فقال :﴿وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً﴾
- إنه طريق إلى الغفلة والترف وهما من أسباب سوء المصير ,
قال الله تعالى: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا الكهف: 28
وقال سبحانه : إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ يونس 7-8
فالمسرف غافل عن أوامر ربه ونواهيه , غارق في شهواته وملذاته , آمنٌ من تقلبات الدهر ومداولة الأيام ,
- وهو من الأسباب التي توجب دخول النار: قال تعالى: وَأَصْحَـٰبُ ٱلشّمَالِ مَا أَصْحَـٰبُ ٱلشّمَالِ ,فِى سَمُومٍ وَحَمِيمٍ ,وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ ,لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ ,إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ [المعارج:41-45]
صور الإسراف :
وهو يشمل أمورًا عدة في حياة البشر من: مأكل ومشرب ونوم ويقظة وكلام ومحبة وكراهية وضحك وانفعال وتعامل مع الإنسان والحيوان والطير والنبات والجماد، وكذلك العبادات من وضوء وطهارة وصلاة وصدقة وصيام وغيرها.
1-صرف الأموال في المحرمات ( السجائر، المخدرات، الخمور، الأغاني ).
الإسراف إضاعة للمال وتخوض فيه بغير حق قال : إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة البخاري
وكما قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ غافر: 43.
فالإسراف في النفقة والإنفاق هو التبذيرُ المنهيُّ عنه ومجاوزة الحد حتى في الصدقة،
قال تعالى: وَءاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا ,إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوٰنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِرَبّهِ كَفُورًا الإسراء: 26، 27
وقال عز وجل: وَءاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ الأنعام: 141
وقال النبي لمن أراد الصدقة عمومًا أو الوقف لينتفع به في الدار الآخرة: الثلث، والثلث كثير، لأَن تذَر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يَتَكَفَّفُونَ الناس
2-المبالغة في الطعام و الشراب .
الأكل يجب أن يكون لأجل قوة العبادة فيكون دون الشبع ، لأن العبادة تحتاج إلى خفة ، واللقمة تذهب الفطنة , فالشبع يمنع من العبادة ولا يقوي عليها ،
ولقد بيَّن النبي تقدير الغذاء بياناً يغني عن كلام الأطباء حيث قال : مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ الترمذي/أحمد
فالسيدة عائشة تقول : أول بدعة ابتدعها المسلمون بعد وفاة رسول الله الشبع ، وأول مخالفة للسنة بعد وفاته كانت الشبع ، فمن أكل حتى الشبع فقد نقض نيته التي بدأها في أول الطعام وهي التقوي على طاعة الله
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : إِنَّ مِنَ السَّرَفِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ ابن ماجة
وقال عمر لابنه عاصم رضي الله عنهما : كل في نصف بطنك ولا تطرح ثوباً حتى تستخلفه, ولا تكن من قوم يجعلون ما رزقهم الله في بطونهم وعلى ظهورهم
لا تمد يدك إلى الطعام إلا وأنت جائع ، قال : نعم الإدام الجوع
وفي ألمانيا مستشفى مكتوب عليها هذا الحديث نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع محمد بن عبد الله .
ينبغي أن أكون معتدلاً في طعامي ، فالطب مجموع في ثلاث كلمات لا غنى للمرء عن أحدها، ولو خالفها لاعْتَلَّتْ صِحَّتُهُ وقُوَاهُ وربما أَوْدَتْ بحياته، جاء ذلك في الآية التالية:
وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ [الأعراف: 31]
لو أن الله قال : لا تسرفوا في الأكل والشرب لانصرف الإسراف إلى الطعام والشراب فقط ، أما حينما قال الله عز وجل وكلوا واشربوا ولا تسرفوا جاءت متأخرة عنها ، إذاً هي مطلقة في كل شيء ، حتى في المتع المباحة ، الإسراف بها له مضاعفات لا ترضي صاحبها ،
وقال الرسول : نحن قوم لا نأكلُ حتى نَجُوعَ، وإذا أكلنا لا نَشْبَعُ أي: لا يُدْخِلُونَ الطعامَ على الطعامِ مع الشبع لما فيه من إفساد الثاني لما قبله، وإذا أكلوا لا يملؤون بطونهم حتى يُتْخِمُوها بالطعام ويصلوا إلى الشّبَعِ الْمُفْرِطِ.
قال بعض الأطباء: لواستعمل الناس هذا الحديث لسلموا من الأمراض والأسقام ولتعطلت دكاكين الصيادلة، وإنما قيل هذا لأن أصل كل داء التخم. وكما أن الشبع يضر البدن، فكذلك هو يقسي القلب ويورث الهوى والغضب.
والحقيقة أن الاعتدال وراء كل توازن ، والمبالغة في الشيء وراء كل تطرف ، ينبغي ألاّ يسرف ،
إن الإنسان حينما يجعل همه التنعم بالحياة يكون قد خالف منهج الله عز وجل ، فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا بَعَثَ بِهِ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ : إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ ، فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ رواه أحمد والمنذري والبيهقي
قد ينعم الله عليك ، وقد يدخل على قلبك السرور ، وقد يمتعك بالحياة الدنيا ، أما حينما تجعلها أنت مبدأك ، وتسعى لها وحدها فهذا هو الخطأ .
عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ : إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى ثُمَّ لِيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ
3-الإسراف الذي نراه في المناسبات ( قصور الأفراح الغالية ، البهارج في المناسبات ) .
إن إقامة ولائم الزواج والمناسبات العامة لا تخلو في معظم حالاتها اليوم من الإسراف المتناهي، حيث :
- إن بعض الأولياء يشترط إقامة حفل الزواج في أغلى الفنادق أو في أفخم قصور الأفراح أو أغلى صالات الاحتفالات أو أجمل القاعات، والغالب هو قصدُ المباهاة والمفاخرة، والتقليد الأعمى للآخرين، وحُب الظهور على حساب الزوج الذي يلجأ في معظم الحالات إلى استدانة الأموال أو الاقتراض من غيره حتى يلبي تلك الرغبة، وفي ذلك إهدار للأموال وتضييع وصرف لها في غير محلها، وقد نَهى النبي في أحاديث كثيرة عن إضاعة المال.
- إعداد بطاقات الدعوة وطباعتها بأشكال جذابة وألوان مختلفة وإطار مزخرف، واختيار أغلى البطاقات ثمنًا وأعلاها كلفة، وكتابتها بصيغتين مختلفتين: واحدة للرجال وأخرى للنساء، وهذه مبالغة غير محمودة، وتبذير وتحمل لمبالغ طائلة، والمقصود من إرسال البطاقة إلى المدعوين إنما هو إعلامهم بموعد ومكان إقامة الوليمة، وذلك يحصل بأقل من هذه التكلفة.
- إعداد وليمة الزواج بأحجامٍ يظهر فيها الإسراف والبذخ والتبذير، بتقديم الأطعمة من اللحوم وأنواع المأكولات والمشروبات والحلوى اللحوم والأرز والفواكه وغير ذلك بكميات كبيرة .
وهذا يجعلنا ندفع ثمناً باهظاً وهو غضب الرب سبحانه وتعالى الذي نهانا عن الإسراف والتبذير فخالفنا الهدي الإلهي والتوجيه الرباني: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]
ولم نتقيد بالإرشاد النبوي الوارد في قول المصطفى : كلوا واشربوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة رواه البخاري تعليقاً وأحمد والنسائي / حسن.
فالزواج أصبح يتطلب كلفة كبيرة، ومراسيم العزاء عند الوفاة تحتاج مبالغ طائلة، وتقديم الهدايا عند الولادة من قبل المرأة لصديقاتها يستلزم ميزانية باهضة...
إن الإسلام لم يشرع في نفقات العقد والزفاف، سوى المهر للمرأة والوليمة لحفلة العرس، وإكرام الضيف بما يناسب الحال.أما ما عداها من الهدايا والنفقات فهي ليست فرضاً واجباً وليست من شروط العقد والنكاح في شيء أبداً.
في بعض عقود القران هناك ورود بمليون ليرة .
مرة قال شاب : أنا يا أستاذ مضطر لأتزوج ، فالابن معه بناء ،المواد الأولية ثمنها خمسة وخمسون ألفا ،بنى غرفة ومنافعها وتزوج فيها ،قدّرت ثمانمئة ألف ، فمئة ألف تؤسس أسرة ،
وهناك عرس في الشيراتون بأربعين مليونا ، هذا المبلغ كم يوزج من الشباب؟ الآن هناك في البلد أشياء طيبة ،
وهناك عقود قران ما قدّمت هدية أبدا ، قام عريف الحفل وقال : الهدية مبلغ أودع عند العالم الفلاني لتزويج الشباب ، حوالي مليون ليرة ، إذا أخذ كل شاب مئة ألف فقد زوّجنا بهذا العقد عشرة شباب .
حضرت عقدا ثانيا قدّموا مع بطاقة الدعوة وصلا لمعهد شرعي بألف ليرة ، والمدعوون مئتان وعشرون إنسانا ، قدموا لهذا المعهد الشرعي مئتين وعشرين ألفا ، أنت تأخذ هدية ، وغيرك كذلك ، ولكن لا يستفاد منها ، حاجات متنوعة لا محل لها أساسا ، فأنا أرى أن عقود القران مناسبة كبيرة جدا ، نتعاون ، ألم تزوج ابنك ؟ اشكر ربك على تزويج ابنك ، قدّم شيئا .
فآن الأوان للمسليمن أن يفكِّروا ، المسلمون في العلم يذبّحون ويشردون ، يموتون من الجوع والبرد ، لا بد أن نتعاطف ، وأقلّ شيء فيما بيننا ، والله عزوجل لم يكلّفنا إلا ضمن مجتمعنا المحدود ، نتعاطف فيما بيننا ، كل واشرب من غير إسراف ولا مخيلة ، معك فائض هناك من تنعشه ، وتنقذه ، وتسعده بهذا الفائض ، وما عُبد الله عزوجل بأفضل من جبر الخواطر ، كيف تطهّر الزكاة الإنسان ؟ تطهر نفس الفقير من الحقد ، تطهر نفس الفقير من الشح ، تطهر المال من تعلق حق الغير به ، قال تعالى :
(التوبة : من الآية 103)
كيف تزكيك ؟عندما تطعم الفقير
لما يفكر الإنسان أن يعيش مشكلات الآخرين يشعر بنماء في نفسه ، يا رب أنا ساهمت ، أنقذت مئتين وخمسين أسرة من الجوع ، مثلا ، هذا بالنسبة لنمو نفس الغني ، أما الفقير فيكون محطَّما ، عنده يأس وإحباط ، مهمل ، رقم في المجتمع ، لا أحد ينتبه له ، ليس عنده سمن ولا زيت ولا طعام ، ولا شيء ، تأتيه المعونة فينتعش ، يشعر أن ثمة من يفكر فيه ، فالغني نمت نفسه ، والفقير نمت نفسه ، وما نقص مال من صدقة ، والمال الذي دُفِع من أجل الصدقة واللهِ يأتي أضعافا مضاعفة .
إن أشر مواضع الإسراف أن تقام الولائم العظيمة ويدعى إليها الأغنياء، ويحرم منها الفقراء,
لا ينبغي للداعي أن يخصّ بالدعوة عِليةَ القومِ وأثرياءهم ووجهاءهم ويؤكد على الأغنياء والأعيان ويهمل الفقراء والمساكين، بل يدعو أهل الصلاح والتقوى وإخوانه المسلمين أيًّا كان مستواهم الاجتماعي وحالهم المادي،
قال : شرّ الطعام طعام الوليمة؛ يُدعَى لها الأغنياء، ويُترك الفقراء، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله متفق عليه،
قال رسول الله : إذا دُعي أحدكم إلى طعامٍ فليجب، فإن شاء طعِم وإن شاء ترك مسلم.
ومراده بقوله: شر الطعام طعام الوليمة أي: طعام الوليمة التي يُدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء، ولم يرد أن كل وليمة طعامها شرّ الطعام، فإنه لو أراد ذلك لما أمر بها، ولا حثّ على الإجابة إليها، ولا فعلها، ولأن الإجابة تجب بالدعوة، فكل من دُعي فقد وجبت عليه الإجابة.
4-جنون الموضة:
إن تغيرات الأزياء والنماذج المتعددة إن هي إلا تقلبات مفتعلة لحمل المستهلكين على الشراء، (الموضة لعبة تجارية دفعتنا لتبذير أموالنا في غير وجهها )
نهى عن الاسراف والتبذير في شراء الملابس فقال: كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا،مالم يخالطه إسراف او مخيلة رواه أحمد والبخاري.
5-الإسراف في استخدام الماء:
في تنظيف الأفنية و السيارات ، و حتى في الوضوء والاغتسال ولو كان أحدنا على شاطئ نَهْرٍ جَارٍ!
لما جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله كيف الوضوء ؟ فأراه الوضوء ثلاثا ثلاثا ، ثم قال : هكذا الوضوء ، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم .
فعَن عبد الله بن عمرو أن رسول الله مَرَّ بِسَعْدٍ وهو يتوضأ فقال: ما هذا الإسراف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟! قال: نعم ، وإن كنتَ على نهرٍ جارٍ رواه ابن ماجه وأحمد والبيهقي.
وقد كان رسول الله يغتسل بالصاع ، ويتطهر بالمُدّ متفق عليه .
والمُـدّ قدر ملء الكفين للرجل المعتدل . والصاع: أربعة أمداد ، وهذا يدل على الاقتصار على اليسير من الماء في الوضوء .
قال الإمام النووي : وأجمع العلماء على النهي عن الإسراف في الماء ولو كان على شاطئ البحر .
الماء نعمة كبرى فالإسراف في استخدامها واستعمالها حرام، والتلويث للماء جريمة , قال : سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته، من علَّم علماً أو كرى نهراً أو حفر بئراً أو غرس شجرة أو بنى مسجداً أو ورَّث مصحفاً أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته رواه صاحب الترغيب والترهيب
وقال : لا يبولن أحدكم في الماء الراكد رواه مسلم
وقال : إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء رواه البخاري
وعندما يرى المسلم إخوانه المسلمين في أماكن الوضوء في المساجد يشاهد من الأمر عَجَبًا في إهدار الماء وفتحه من مصادره ومحابسه إلى أعلى الدرجات ،
أما الْمُتْرَفُونَ الذين تَحْوِي قصورُهم ومساكنُهم المسابحَ التي تتسع لعشرات الأطنان بل المئات فَحَدِّثْ عنهم ولا حرج، حيث التغيير والتبديل الأسبوعي للماء إن لم يكن اليومي لدى كثير منهم وإهدار الماء الصالح للشرب؛
6-الإسراف في استعمال الهاتف :
إذا اتصل بنا أحد:- فلا ينبغي أن نطيل معه الكلام إلا إذا رغب في ذلك، وليكن كلامنا معه مختصرًا موجزًا هادفًا نظيفًا لطيفًا، اقتداء بالرسول الذي كان كلامه قَصْدًا وخاليًا من الفُحْش والإيذاء،
- كما ينبغي أن لا نُكثر الكلام معه فيضيع رصيده من المكالمات، فنؤذي مشاعره فنأثم، ونتسبب في ضياع ماله بغير رضاه، وإضاعة مال الغير محرَّم ، وهذا ما لا يرضاه الإسلام في التعامل مع الناس، وإذا كان الله قد كَرِه القيل والقال في الكلام العادي الذي لا يضيع معه مال، فكيف بالكلام الكثير الفارغ التافه الذي يزداد معه المال ضياعًا؟!
قال النبي : كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه رواه مسلم.
قال الرسول : إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا ، فذكر ما يرضاه الله وقال : ويكره قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال رواه البخاري ومسلم ، والكراهة هنا تحريمية.
على المؤمن أن يكون حازمًا في استعماله للهاتف، ولا يستعمله إلا في الحالات المهمة، حتى يحفظ ماله، ويضعه في موضعه، ولا يبذِّره تبذيرًا؛ لأن التبذير حرام، والمبذِّر أخو الشيطان، والمؤمن مسؤول عن ماله يوم لقاء الله، وإن كثيرًا من مستعملي الهاتف اليوم من السفهاء والمبذّرين والطائشين يركِّبون الأرقام بغير معرفة لأهلها، فيتصلون بهذا، ويتكلمون مع هذه، كل ذلك من أجل التشويش والإحراج والفتنة والبحث عن عشيقة بواسطة الهاتف، فيُشغلون الخطوط، ويضيِّعون أموالهم وأوقات غيرهم، ويؤذونهم بغير حق.
الاعتدال "الوسطية" في الانفاق:
التوسط والاعتدال هو سمة هذه الأمة:
قال تعالى : وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا البقرة: 143
وقال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ آل عمران: 110
من قواعد الانفاق في الإسلام "الوسطية" دون إسراف أو تقتير - لان في الاسراف مفسدة للمال والنفس والمجتمع , وفي التقتير حبس وتجميد للمال , وكلاهما يسبب خللا في النظام الاقتصادي وأصل هذه القاعدة من القرآن هو قول الله تبارك وتعالى في وصف عباده المؤمنين: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما الفرقان: 67
وقال الله تعالى آمراً بالتوسط في جميع الأمور: وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (الإسراء: 29) .
الإسلام لا يدعو إلى ارتداء الخِرَق البالية ، ولا إلى تجويع النفس ، ولكنه العدل والوسط، يأخذ فيه المرء ما يجد ولا يتكلف ما فقد. هذا هو نهج عباد الرحمن: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67]،
يأكلون ليعيشوا، ويعيشون ليعطوا الحياة قدرها ويحفظوا لها وظيفتها، عبادة لله وإحسانًا إلى عباده،. يأخذون من الطيبات، ويستمتعون بالزينة، ويقفون عند حدود الله ولا يتجاوزونها : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32].
ولتهذيب الإنسان وتربيته أمر الله تعالى بالقصد في الأمور كلها حتى في أمور العبادات؛ كيلا يملها العبد؛ قال : وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا البخاري.
عليكم بالقصد والتوسُّط في جميع الأمور: فهذه الأمة الإسلامية هي الأمة الوسط , والحسنة بين سيئتين , فمن زاد في أكل أو شرب أو نوم أو ملبس أو مركب أو مسكن أو شراء ما يعنُّ بخاطره ففيه من الإسراف والتبذير بحسبه .
هذا ولا يمانع الإسلام من أن يظهر المسلم أثر نعمة الله عليه، لكن دون سرف ففي الحديث يقول : كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا سرف فان الله يحب ان يرى اثر نعمته على عبده رواه البخاري،
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كل ما شئت والبس ما شئت، ما أخطأك خصلتان سرف ومخيلة
الأولوية في الإنفاق :
للإنفاق في الإسلام أولويات فيبدأ الإنسان بنفسه ثم بأهله ثم الأقرب فالأقرب ( الأقربون أولى بالمعروف ) .
صرف الإنسان يجب أن يتناسب مع دخله :
و ذكر أن عمر بن الخطاب رأى رجلا يلبس ثوبا فسأله : بكم ابتعته ؟ فقال: بستين درهم ! قال: و كم رأس مالك ؟ قال الرجل: ألف درهم ! فخفقه عمر رضي الله عنه بالدرة قائلا رأس مالك ألف درهم و تشتري ثوبا بستين !
و كان يرى عبد الرحمن بن عوف يلبس الثوب بأربع مئة درهم و لا يلام .. لأنه كان غنيا .
فالمبذر يشتري كل شيء , حتى ربما استدان مبلغاً من المال واشترى من الكماليات ما لا يُحتاج إليه إلا مرة واحدة كل خمس سنوات , ولربما حمَّل نفسه مشقَّة الديون في أمور لا قيمة لها , والحياة تستقيم بدونها , ولربما سأل الناس واستجداهم بسبب التوسع في أمور لا تصلح إلا للأغنياء القادرين والله تعالى يقول : لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (الطلاق: 7) .
المسلم يدبر معيشته الدنيوية بعقل ولا يجاري غيره ويباهي بالأثاث واللباس والمركب والمسكن وغير ذلك ,
فإن كان فقيراً فالواجب عليه أن يجتهد في الكسب ويدأب في العمل ليكفَّ نفسه عن الذُّلِّ للخلق مستصحباً القناعة بما كتبه الله له مبتعداً عن مسابقة الأغنياء والقادرين ,
وأما إن كان غنياً فعليه أن ينفق باعتدال ولْيتذكر بأن كثرة الأموال عنده لا تبيح له الإسراف والتبذير, وعليه أن يوقن بأنه مسؤول عن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه ,
قال وهب بن منبه : من السَّرْفِ أن يلبس الإنسان ويأكل ويشرب مما ليس عنده , وما جاوز الكفاف فهو التبذير
الاستهلاك و عادات الإسراف
لقد تحول الإسراف والتبذير والمبالغة في الاستهلاك إلى عادات وأعراف حاكمة في مجتمعاتنا.
فأطفالنا يتربون من صغرهم على حب الاستهلاك، فتعطى لهم النقود دون حاجة، ويتعلمون على الاستمتاع بالشراء، لمجرد الشراء وإن كان لشيء لا يفيدهم، بل قد يكون ضاراً لهم. وترى في حالات كثيرة حينما يبكي الطفل ويريد أهله تهدئته يقال له خذ خمس ليراتً أو خمسة أو عشرة واذهب إلى البقالة!! في مقابل ذلك تشجّع بعض العوائل في المجتمعات المتقدمة أبناءها منذ صغرهم على فتح حسابات للادخار، وتعلّمهم كيف يفكرون فيما يشترون قبل أن يشتروا.
أضرار الإسراف :
1- الإسراف خطر على العقيدة:
الإسراف يرفع مستوى معيشة الفرد والأسرة رفعاً كاذباً يفوق الدخل الحقيقي المستمر، حتى يلجأ كثير من المسرفين إلى طرق شريفة وغير شريفة لاستمرار التدفق النقدي وتحقيق المستوى العالي من الإنفاق الذي اعتادوه فتمتد اليد بشكل أو بآخر فيقعوا تحت وطأة الكسب الحرام، ذلك أن المسرف قد تضيق به أو تنتهي به موارده، فيضطر تلبية وحفاظاً على حياة الترف والنعيم التي ألفها إلى الوقوع في الكسب الحرام، وقد جاء في الحديث: كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به
2 - الإسراف ودواعي الشر والإثم:
فالإسراف داع إلى أنواع كثيرة من الشر، لأنه يحرك الجوارح إلى المعاصي ويشغلها عن الطاعات، كما أنه يحرك الغرائز الساكنة أو الكامنة في هذه النفس، وحينئذ لا يؤمن على الفرد من الوقوع في الإثم والمعصية. فالشيطان أعظم ما يتحكم في الإنسان إذا ملأ بطنه من الطعام، ولهذا قال : ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه
لماذا ينهى عن السرف, ولماذا هذا التشديد في النهي عن السرف؟
لأجل الحفاظ على الأموال والموارد التي يُسأل عنها العبد يوم القيامة؛ فهو يُسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه؟ والسرف يعارض حفظ المال، بل يتلفه ويؤدي إلى إفقار نفسه ومن ثم إفقار أهل بيته وقرابته وأمته، والله تعالى كره لنا قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال.
إن حفظ المال فيه حفظ الدين والعرض والشرف, والأمم التي لا تمتلك المال لا يحترمها الآخرون، والشخص الذي ليس له قوة من مال أو جاه لا ينظر الناس إليه ولا يأبهون به، ومن أجل ذلك قال الحكماء: من حفظ ماله فقد حفظ الأكرميْن: الدين والعرض.
فكم من أسر افتقرت من بعد الغنى؟! وكم من دول بطرت شعوبها وأسرفت على نفسها فابتلاها الله بالحروب والفتن التي عصفت بها، فتمنى أفرادها بعض ما كانوا يملكون من قبل؟!
فالمعتمد بن عَبَّاد -رحمه الله- كان من ملوك الأندلس، ويملك الأموال الطائلة، والقصور العظيمة، ولما اشتهت زوجته وبعض بناته أن يتخوَّضن في الطين أمر بالعنبر والعود فوضع في ساحة قصره، ورُشَّ عليه ماء الورد وأنواع من الطيب ، وعُجِن حتى صار مثل الطين؛ فتخوَّضت فيه أسرته المترفة, وما ماتت تلك الأسرة المترفة حتى ذاقت طعم الفقر وألم الجوع ؛ إذ استولى "يوسف بن تاشفين" على مملكة ابن عباد، وكان النسوة اللائي تخوَّضن في العود والعنبر لا يجدن ما يأكلن إلا من غزل الصوف بأيديهن الذي لا يسد إلا بعض جوعهن.
وهذا أبو عبد الله الزغل من آخر ملوك غرناطة الأندلسية باع أملاكه فيها بعد أن استولى عليها النصارى، وحمل مالاً عظيماً قُدِّر بخمسة ملايين من العملة المعروفة آنذاك, ورحل إلى إفريقيا, فقُبِض عليه وصودرت أمواله، وسُملت عينيه, ورمي في السجن بسبب بيعه غرناطة للنصارى وتخليه عنها، ولما خرج من السجن لم يجد من يطعمه ويؤويه، فأخذ يستعطي الناس في الأسواق، ويطوف وعلى ثيابه رق غزال مكتوب عليه: "هذا سلطان الأندلس العاثر المجد" لعل من يراه يرحمه ويعطيه بعض المال.
لقد أبان لنا التاريخ عاقبة المسرفين كانت ذلاً وخسراً؛ فواجب علينا أن لا نطغى إذا أُعطينا؛ بل نشكر المنعم سبحانه بتسخير نعمه لطاعته والاقتصاد في الإنفاق؛ فذلك خير لنا في الدنيا والآخرة، وهو سبب حفظ المال.
فضل الجوع وخشونة العيش
عود نفسك أن تعيش حياة بسيطة ،
عود نفسك يوما بالفواكه ويوما من دونها ، يوما بطبخ جيد ، ويوما بطبخ عادي جدا ،
عود نفسك أن تأكل أكلا عاديا في الظهر ، أكلا خفيفا أنت وأولادك ، تشعر أنك عبد لله عزوجل ،
وقد سئل النبي الكريم : أتحب أن تكون نبيا ملكا أم نبيا عبدا ؟ قال : بل نبيا عبدا ، أجوع يوما فأذكره ، وأشبع يوما فأشكره
فالنبي قال : اخشوشنوا و تمعددوا ، فإن النعم لا تدوم ، وطّن نفسك على الحد الأدنى الإنفاق ،
شخص من المملكة العربية السعودية يعد أكبر تاجر خضر في المملكة ، عنده خمسون برّادا تُحمل من تركيا إلى السعودية ، هو رجل صالح من المدينة ، ومستقيم ، واللهِ دهشت لمحاسبته لأولاده ، يحاسب على الفِلس ، ليس عنده نفقة في غير موضعها أبدا ، ويعطي للفقراء عطاء بغير حساب ، رأيت من إنفاقه الشيء العجيب ، أما على نفسه فليس هناك بذخ ولا ترف ، أولاده وزوجته يحاسبهم على الفلس ، وكل نفقة غير معقولة مرفوضة عنده ، مقابلها يعيل آلاف الأُسر ، بنى معهدا إسلاميا في كوناكري ، أسس مسجدا ومعهدا كبيرا في غينيا على نفقته الخاصة ، أما لو فتح المجال لأولاده لذهبت كل ثروته بلا طائل ،
فدائما انتبهوا أن الوسطية من صفات عباد الرحمن ، قال تعالى :
والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما الفرقان: 67
الآيات التي ورد فيها كلمتي الإسراف والتبذير في القرآن
الإسراف ورد في القرآن الكريم في هذه الصيغة في آيتين هما:
وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ , آل عمران
وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً النساء.
ووردت بصيغة مسرف,ومسرفين في 17 آية:
ِمنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ المائدة
وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ الأنعام
يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ الأعراف
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ الأعراف
كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ يونس
وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ يونس
صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاء وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ الأنبياء
وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الشعراء
قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ يس
إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ غافر
كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ غافر
وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ غافر
أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ الزخرف
مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ الْمُسْرِفِينَ الدخان
مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ الذاريات
فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً الإسراء
وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً الفرقان
والتبذير جاء في القرآن في موضعين هما:
وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً الإسراء
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً الإسراء