أمنية واحدة فقط
كابوس مزعج أيقظني فزعاً كالعادة فمنذ مدة وأنا أرى كوابيس مزعجة ولازال هذا الكابوس يلحّ عليّ كلما غمض لي جفن .
أرى مديري في الدائرة يضرب رأسي باضبارة كبيرة حتى الموت وأرى زوجتي تدسّ السّم لي في كأس الشاي وأرى بناتي يخزنني بالإبر في كل أنحاء جسدي وهن يضحكن ضحكات هستيرية .
لم أعد أحتمل ... بل صرت أخاف حتى من التفكير في النوم وأشد ما يرعبني النعاس عندما يداعب جفنيّ بعد يوم عمل شاق وطويل حيث أعمل موظفاً في الصباح ومحاسباً في أحد المتاجر مساء .
استيقظت فزعاً ورحت أتمتم كل ما أحفظه من أدعية وآيات وشربت بعض الماء في طاسة الرعبة النحاسية التي ورثتها عن أبي وجدي ولم يعد يغمض لي جفن .
مضيت إلى المطبخ فأعددت فنجان قهوة وجلست وحيداً في غرفة الجلوس الباردة وأنا أتلفح بغطاء صوفي .
كان الوقت مبكراً والجميع نيام ولم اعرف ماذا افعل ولم ينقصني إلا فيلم رعب على قناة الأفلام فأطفأت التلفاز وأخرجت سبحة قديمة كانت لجدي وأهداني إياها والدي عند زواجي وهي مصنوعة من حجر اخضر كريم لا أعرف اسمه ولكنها قيمة جداً فقد أوصاني والدي والدموع في عينيه أن أحفظها أكثر من نفسي وأولادي لأنها ميراث العائلة وان جدي لم يتوفق في حياته ويصيبه الغنى بعد فقر مدقع إلا بعد أن عثر عليها في مقام قديم لأحد الأولياء .
فقلت لنفسي هذه تصلح لإخراجي من حالة الخوف والكوابيس المتصلة التي تسلطت عليّ فبدأت أسبح بها وأذكر وعندما وصلت إلى إتمام مئة حبة انقطعت الكهرباء وغرقت في ظلام دامس فضحكت وقلت لنفسي لابد أن تأثير هذه السبحة عكسي معي ومضيت إلى المطبخ أتلمس الجدران والأبواب حتى عثرت على شمعة وحيدة أضأتها وعدت أدراجي وما إن جلست حتى أحسست بحركة غريبة في الغرفة فقلت لعلها زوجتي أو إحدى بناتي استيقظت فزعة أو عطشى فقلت لها :
- لا تخافي يا ابنتي أنا هنا لقد انقطعت الكهرباء تعالي اقتربي من الشمعة .
فتحرك الجسد الصغير نحو الضوء ولكن الدم جفّ في عروقي عندما بدأت ملامحه تتضح بصعوبة على ضوء الشمعة الخافتة وتبين لي بعد أن صرخت صرخة مكتومة أنه قزم بحجم ولد صغير وله عينان تشعان بلون أحمر وقال لي وقد تجمدت من الفزع بصوت رجولي ضخم :
- أنت محمود بن صالح ؟
أذهلتني المفاجأة ولم اعد استطيع الكلام فأعاد سؤاله :
- أنت محمود بن صالح ؟
- ن ..ع ... م أنا ... هـ ...و أجبت بتلعثم وقد بردت أوصالي وجف حلقي وارتعدت من أخمص قدميّ إلى مفرق رأسي .
- لا تخف أنا جنيّ السبحة وقد استدعيتني كما فعل أبوك وجدك من قبل فماذا تريد ؟
- هل فعلا ذلك ؟
- نعم
- ماذا طلبا منك ؟
- جدك أراد المال والكثير من الذهب والجواهر
- وأبي
- أبوك أراد ولداً ذكراً يخلفه في المال الذي ورثه عن جدك
- وأين هذا المال كله
- أضاعه أبوك في الزواج فقد تزوج من الكثيرات وانفق عليهن الكثير ولم يرزق إلا بك وتعمد أن يترك لك هذه السبحة الخضراء التي رُصدت من أجل مالكها ...قل ماذا تريد فأنا لن اظهر لك إلا مرة واحدة وبعدها سأختفي إلى الأبد .
- ولكنني لا أدري ماذا أريد أليس هناك ثلاث رغبات كمصباح علاء الدين
- جني المصباح كان أحمقاً وورط نفسه في مشاكل مع بني آدم أما أنا فأذكى منه رغبة واحدة لا غير ولن تراني بعدها قلها الآن
ترددت كثيراً فإذا كان كلام هذا الجني كما يدعي صحيحاً فهي فرصة سانحة لا تعوض فماذا اطلب هل أطلب مالاً كجدي ينقذني من هذا الوضع المعيشي أم أطلب أولاداً ذكور يكونون سنداً لي وخاصة أن زوجتي لم تنجب حتى الآن إلا ثلاث بنات .
فكرت وفكرت وأخيراً قررت فقلت للجني :
- أريد زوجة جديدة غنية واسعة الثراء وغاية في الجمال تنجب لي كل مرة ولداً ذكراً
فضحك الجنيّ ضحكة كبرى عظيمة ارتجت لها جدران الغرفة وقال قبل أن يختفي وسط الدخان
- لك ما تشاء .. ها ها ها ... لك ما تشاء
وهنا دخلت زوجتي فجأة وهي تصيح :
- سمعتك يا خائن يا ناكر الجميل كم صبرت على فقرك وتعاستك وضيق حالك ( زوجة جديدة واسعة الثراء وغاية في الجمال ) ألا ترى كرشك الذي يشبه بطن الحامل وصلعتك اللامعة وقد اعياك مصروفي ومصروف بناتي .
وقبل أن أتمكن من الردّ عليها هجمت علي بكل ما أوتيت من قوة وهي تحمل في يدها سكيناً كبيرة من المطبخ فحاولت دفعها عني ولكني أصبت بجروح بالغة في يدي وصدري وجاءت بناتي فجثمن على صدري ووضعن أكفهن الصغيرة على رقبتي وضغطن بكل قوة وهن يبكين ويقلن بصوت واحد :
- ولد ذكر ... ولد ذكر .... ولد ذكر
حتى شعرت أن أنفاسي تختنق رويداً رويداً ولم أكن قادراً على الحراك أو الدفاع عن نفسي .
وأخيرا فتحت عيناي لأرى غرفة الجلوس من حولي فارغة ولا اثر للدماء ولا الطعنات ولا الجنيّ ولا زوجتي و لا بناتي وكانت السبحة الخضراء ما تزال في يدي فخرجت ابحث عن زوجتي الجديدة .
*** تمت ***